2011/01/02

قراءة في قصيدة للشاعر عبد الرحمن بامرني (بمحاذاة حلم منفلت)*



جوتيار تمر/دهوك


في ترجمة قصيدة ما، يحتاج الواحد منا الى  ادراك ودراية بالشاعر نفسه من حيث كونه ونفسيته، ولايترجم قصيدة بنجاح كمالي ابدا، لكن احيانا يترجم  كون الشاعر ونفسيته بصورة دالة على الاقناع، مما يجعل من القصيدة مادة سهلة للفهم والادراك، لذا يبقى الشعر شعرا سواء أكان مترجما ام لا، ويبقى الشاعر سابحاً في جدول او نهر، في عتمة او نور، في ضباب، ونهار وليل.
ومن هذا الفضاء الواسع نقف الان امام عتبة باب قصيدة مترجمة للشاعر عبدالرحمن بامرني، حيث نجد بأن له منذ البدء موروثه الخاص به، وكونه الفسيح الممتد من آفاق الجبال الى الاودية والانهار، وتاريخ طويل لمخاض البشرية على ارض نبت هو عليها.
وهذا ما وجدناه من الوهلة الاولى، من خلال عنوان قصيدته الملفت والمبشر بتمرد ضمني آت لامحال( بمحاذاة حلم منفلت) حيث الباء هنا جاءت ضرورة لتأكيد الاتجاه السالك للحلم من حيث الانحراف عن المسار العادي ليتخذ المحاذاة طريقا للوصول، والحلم هذا ليس بحلم عادي انه منفلت خارج عن الاطر التقليدية للاحلام، وكأني به يريدنا منذ البدء نعيش حالته الذاتية المرافقة للنشوء والتكوين الشعري داخل كونه الخاص، وهذا ما تؤكد بداية القصيدة

:

لاأتفهم شعور الخوف
جاذبية المرأة فى ثديها وحمرة شفتيها
غرفة بلا شباك وقفل وباب....و
قصة عشق أبدية

الحديث عن المرأة وجمالها يفوق في تعقيده وتشابكه ما في الحديث عن الشكل والمضمون في أي عمل ادبي من تلاحم وتواشج، حيث الانسان لم يعد يرى جمال الطبيعة باختلاف الوانها واطيافها الا من خلال المرأة، ومن هذا المنطلق جاءت البداية كاشفة لأتون ومتون نفسية السادرة للشاعر، حيث نجده في اشارة واضحة الى كيفية ادراك نمو الادراك الانساني وتحسسه للاشياء من خلال المرأة مهتما بالتفاصيل الجسدية التي تداهم الذهن الانساني حول المرأة كجسد غارس للاحاسيس بعيدا عن المسالك السائبة، وقريبا من حاجيات العصر والانسان الحديث وكونه الجديد سواء أ كان غرفة ام شارعا ضيقا رطبا ام أي شيء اخر، وبتناغم زمني جميل داخل اطار مكاني اروع.


لماذا ألاوراق فى الخريف تتساقط
لماذا وتخدع البطون الخاوية تتناسى؟
لماذا دوى الرعود والبرق
ياللهى فى رجحان الميزان
كنا متنافسين
وكفتى الراجحة
أنا فى صحراء قاحلة مترامية الاطراف
وأنت جنة عامرة واسعة


 الشاعر في قفزة شعورية يظهر لنا مواطن التلذذ الحاصل جراء الرؤية النابعة للجاذبية واماكن الاستمتاع ويقحمنا في مقارنة عرضية بموسم التساقط حيث تكون نفسية الانسان في حالة من الهدوء النوعي العاطفي الرومانسي، ولكن بخلاف التيار السائد يدخلنا هو في اروقة التساؤلات التي ترهقنا وتؤرق ليله، وهي تساؤلات نابعة من احساسه الذاتي ، ومن احساسه بكون الاخر المتمثل بمحيطه وبيئته والذي غالبا ما نسمه الارض، فأتت كلماته هنا تثير جدلية في نفس الاخر المتلقي، وقد بدا واضحا تأثير هذه التساؤلات عليه بحيث تشبهه بالصحراء ونعلم معالم القسوة فيها، وكأني به قد فقد لوهلة توازنه الذهني وما يبرر قولي هذا قوله:

لسذاجتي
جعلتنى مملوكا وجارية مشردة
فى صحرائك القاحلة
نسيت ترابى ولغتى وتراثى
انت صامت, وصمتك يزيد ضياعى
مع قضية الحياة انا مذنب
اخذت بذنب الماضى
يا أجمل صمت
يا أجمل غضب
ايا أجمل سيدة نضمت لها الاشعار
بذنبى تحترقين
وأنا فى ذنبى أؤدى صلاة ضياع
ياأكثر الاشعار جرأة


قلما نجد من يعترف بسذاجته بالاخص اذا كنا نتحدث عن شاعر الذي دائما نجده صاحب كبرياء، لكن لحظات الصدق هنا تتلاطم لتظهر لنا عمق هذه النفس بحيث تعي ذاتها في صراع مع كينونته، وكينوتها، والارض، وغواية الاخرى وجاذبيتها، فيأتي اعترافه بهذا الصراع من خلال حوارية على لسان الاخر التي ترى بانها تشردت، ونسيت، وفقدت، جراء الصراع هذا، فتكشف بذلك الاخر المتضاد بكلمة واحدة معبرة دالة وذات مساحة واسعة وهي الصمت، وهنا يستدل الشاعر بالصمت ليوخز احلامها ويسكب مشاعره فيها فتأتي كلماته صاخبة،ثائرة، ملهفة، في آن واحد بحيث تجعل منها تدرك اهمية وجودها الذي اصبح مرتبطا بضياعه، وكذلك كونها ملهمته الاولى، وليس الذنب هنا الا مسلك ثنائي يسلكه الاثنان لاختراق كينونة الاخر، وفي نقطة تحول فجائي للشاعر نراه يتحول الى تفاصيل اخرى فيها ومنها:

بردائك الرقيق
فى ذلك اليوم سجلت
فى سجل اشعاري
لتزين احدى قصائدى انت قصيدتى الاخيرة
وانا بين الطيران والهبوط
الطفولة والبلوغ
الخيال والحقيقة
والخيال كذبة أبدية
الاحلام الانهزامية
والاحلام كذبة مشروعة
فى علو السماوات العالية

وهنا مسألة تعقيدية اخرى تظهر لنا لان الحديث عن المرأة وملابسها يأخذنا الى طرح مسألة العلاقة بين الجسد والملابس حيث ترابطت هذه العلاقة في ذهن الانسان حتى توصلت في بعض حالات العصاب الى قدرة قطعة منها في احداث الاستجابة ذاتها في ذهن الانسان كالتي تحدثها العضو الذي تغطيه القطعة، لذا نجد الشاعر يستلهم من ردائها استفاقة حالمة لمشاعره وحروفه وفي تمازج جميل بين الواقع الحقيقة والخيال، واليقظة والاحلام، نراه يفسر لنا عمق التجربة بتحالف السماء معه في تفسيره هذا، مما يجعله يسترخي هنا من جديد مبدئيا نوعا من الليونة والتي اجدها خالفت سياق النص لكونه بدأ بلمحة تمردية منفلتة وربما كان الاجدر به ان ينتهي على نفس النسق التمردي المنفلت حيث يقول الشاعر:

نسيت الطيران, اولم تفكرى فى الهبوط
اذا كنت قد طلبت منك قبلة ورفضت
عذرآ
اوكان لي عقد مع أمراءة أخرى
دون علمك
عذرآ
أشك فى وجودى وشقائى واشعاري
لذة أحدى قصائدي
ان تكون قطرة من طعم الشهوة
ثأر او سذاجة اخرى منى
لنعود بحيث منسي كل شي
العشق والجود والضيلع
حمرة مناكثر الخمور وحرقة
مع ارتكاب الا ثام
جرعة للصحوة
وجرعة للشهوة وسجدة للسادة ونسيان الذات

هذا التراخي كان مدخلا لبث الشكوك حول امكانية الاستمرارية على نفس النسق المنفلت فجاءت القصيدة تبرر فعلة الشاعر وتحول جهدها من اجل اقناع الاخر ، وكأن الشاعر يتوسل هنا، وهذا ما جعله يشك في وجوده، ولم يسعفه هنا سوى لذ ة الرجاء الضمني للعودة، وربما يخيل من خلال النسق الاعدادي للنص بان للارض هنا الاولوية في احتضان العودة، دون الاهتمام بالكيفية الملازمة لها، لانها في كل الاحوال لذة له وربما لها وربما لهما معا كلُ بمعناه الضمني المتواتر الخاص به.
وحتي لااكون مجحفا بحق القصيدة من حيث المضمون والمعنى الاستدلالي اود ان اشير الى احدى اساسيات نجاحها وهي انها بدأت من حيث انتهت كمضمون، حيث بدأت بشهوة وانتهت بشهوة، في الاولى كانت منفلتة وفي الثانية عاشت طور الرجاء والانتظار.
عشنا مع  الشاعر حلما بلاشك منفلتاً، قادرا على خلق توهيمات داخل نفسية الساردة بحيث المت بتفاصيل واثارت اخرى في ذواتنا من خلال سير الحلم وفق تجليات الشاعر ورؤاه الخاصة.


* هذه القصيدة ترجمت  من قبل محسن عبدالرحمن ونشرت في مجلة بيفين ، العدد(16-15)

ليست هناك تعليقات: