عبد الرحمن بامرني
ترجمة: ماجد الحيدر
(1)
التابوت
أكثر من أربع ساعات مضت وأنا ممدد في هذا التابوت. ها هي أيام عمري كلها تمر أمام ناظري في هذه الساعات الأربع مثل شريط سينمائي، شريط سينمائي بارد الأحاسيس. هذا هو قراري، أن لا أترك ورائي غير الأحاسيس الباردة والعيون المتقيحة والضحكات العابثة.
أربع ساعات داخل هذا التابوت ولم يفلح شيء في تغيير أفكاري، الحياة عندي غدت عديمة المعنى، وحياة دون معنى تشبه شجرةً يابسة، لا تفرش فيأها على ما حولها ولا تعطي ثماراً. بعض البشر تنتهي حياتهم في التابوت، لكنني اتخذت قراري: سأبحث عن الحياة بعد محطة التابوت!
هذا التابوت شديد الضيق، حاولت مراراً أن أتقلب بداخله لكن رأس مسمارٍ حديدي ينغرز في كتفي ويرغمني على الرجوع الى التمدد على ظهري. لماذا لم يبلغ أحد شكواه من أن مسامير التابوت لم يجر ثني رؤوسها المدببة؟! لا أعرف كم من الناس جرحهم هذا المسمار قبلي. لكن من يعلم؟ من يدلف الى هذا التابوت لن يرى الضوء بعدها. إنه ميت، ميت، ومنذ متى صار للموتى حق التشكي، ومن يحسب لهم حساب؟ ها، تذكرت شيئاً: أنت أيها المحسن فاعل الخير. قد صنعت هذا التابوت ووضعته في المسجد لتكسب الثواب. حسنا، كم سنة انصرمت على هذا الثواب، وكم جنازة حُملت فيه الى المقابر!؟ كفاك هذا، أ بيضة ديكٍ ثوابك هذا؟ ألم يحن الوقت لتصنعَ تابوتاً أفضل وتوليَ عناية أكبر بعملك؟!