2018/05/23

دراسة اشكال التراجيديا في رواية امرأة من ضباب للكاتب نزار أحمد بامرني

عبدالرحمن بامرني 
ترجمة: قيرين مصطفي عجو

التراجيديا بشكلٍ عام مفهومٌ يدلُّ على المأساة، بشكلٍ خاص هو شكلٌ من اشكال العمل الدرامي والأدبي في تاريخ القصة. تعدُّ الرواية التي بين يديّ نموذجاً لها، تظهر التراجيديا فيها بشكل واضحٍ من خلال عرض مآسي و آلام الشعب الكوردي. إعتمد الكاتب في سرد روايته على خياله المبدع في تصوير ونسج أحداثها الواقعية باسلوبٍ ادبيٍ متقن. معتمداً على قول الكاتب الامريكي (اوستافيو باز ) بأنّ "كاتب الرواية يقوم بتصحيح مسار العالم". وهنا يطرق الكاتب في روايته المتعددة الاتجاهات عدة أبواب و من خلال هذه الأبواب يعرض آلام و معاناة الشعب الكوردي و يسردها بسياقٍ أدبيٍ متمكنٍ لكي يضعها بين يديّ القارئ كإحدى الروايات الكوردية المكتوبة باللغة العربية والتي تعبر عن تراجيديات العصر.
لغة الرواية
اختار الكاتب في كتابة روايته (امرأة من ضباب) اللغة العربية. و السؤال هنا لماذا اختار الكاتب كتابة روايته باللغة العربية و ليس اللغة الكوردية رغم كونه متمكن بلغته الأم ؟ برأي إنّ الكاتب عندما اختار هذه اللغة أراد أن يُوصل رسالتين الى العالم العربي. الرسالة الأولى هي إيصال فكرة جميع الكوارث والأحداث الماساوية التي ألمّت بالشعب الكوردي من قبل الدول العربية والاسلامية والتي اتخذت ازائها الدول العربية والاسلامية لغة الصمت والتعتيم الاعلامي ودون إتخاذهم مواقف دينية أو انسانية تجاه خروقاتهم واعتداءاتهم تلك. و بذلك أصبحوا جزءً من مجالس الدول المتهمين بمساعدة مواقف قادة العرب والمنحازين للدكتاتورية. النقطة الثانية كتابة الرواية باللغة العربية دليل على معرفة الكاتب وإلمامه بصياغة هذة اللغة. فعندما تُكتب الرواية باللغة العربية برأي الكاتب تلقى إقبالاَ ورواجاَ أكثر، لأنها تمتلك عنصر المفاجئة واللغز لدى العرب أكثر مما قد تجدها لدى الجانب الكوردي الذي عاش تلك المأسات وعاصرها وفهمها واطلع على تفاصيلها.

جمالية صياغة اللغة: 
اعتمد الكاتب على ما عاناه كفرد في صياغة سرده الروائي واستخدم خياله فى نسج أحداث روايته، وقد استخدم أدواته بشكل متقن و هذا دليل على أنّ الكاتب اختار مفرداته و تعابيره بأسلوب لا شك في قدرته على عرض روايته الكوردية، وإنّما بأسلوب كاتب يجيد صياغة اللغة.

القيمة الانسانية:
كان الكاتب واحداً من ضحايا النظام المخلوع، ففي فترة حكم نظام البعث كان من بين الشخصيات السياسية المسجونة الذي قضى سنوات من عمره في أقبية التعذيب وسجونه المظلمة وقد أثار هذا الموضوع في كتاباته لهجة معقمة بآثارها النفسية في صياغة أدبية تلج في وقائع الأمور. كما تضمنت الرواية موضوع الأنفال بشكلٍ واضحٍ و كيف أن النظام البعثي محى معظم القرى الجبلية عن بكرة أبيها وكشفه عن ظلم و ظُلّام نظام البعث، و توقّف الكاتب عند نقطة تشرّد المواطنين بعد أن دمرت قُراهم و حكموا من دون أي ذنب.

منحى التراجيديا في قصص العشق: 
نلاحظ في الرواية عدة قصص للعشق تأخذ منحى التراجيديا فيها وثيمة العشق في هذه الرواية هي ما يتمثل في القصة الأهم في عشق هَرمان لشيرين إلّا أنّ قصتهما لا تستمر لأنّ شيرين تقع في حب شاب من قومية اخرى خليط من أب هجيني فارسي تركي و أم عربية، يدعى (وائل تيجر) و تستمر في علاقتها معه امام عينيّ هَرمان، الّا انّ هذه العلاقة لم تنجح. فقد حاول الشاب استغلالها والاعتداء عليها من أجل العبث، ثيمة العشق هنا تلقي بظلالها على العشق العبثي للشخص الهجين وائل التيجري والمتمثل رمزياً بالعناصر القومية التي تغتصب أرض كوردستان وشرين هي كوردستان التي تغتصب، لذا يعمد الكاتب الى إظهار جانب تراجيدي من خلال إنكار شرين لمن يحبها فعلياً من بني جلدتها ويخلص لها حتى النهاية وكيف إنها تنكر هرمان وتتقرب من وائل لكونه ذو وجاهة ومال وثقافة ولكنه يحمل بين جنبيه قبحاً وخيانة لئيمة. وأمّا بالنسبة لهرمان بعد فقدان أمله من عودة شيرين يتزوج من امرأة أخرى تدعى (آليسا) وهنا أيضاً ثيمة العشق هو الخيانة بما انهم لا يثقون بالشرقين في النهاية تتفق زوجة هرمان و أمها بإختطاف ابنه و تهربان به الى مكان مجهول. والقصة الثانية التي يتحدث عنها قصة أزاد و زوجته هيلان اللذين يتشردان أيضاً إلى أمريكا ، وهناك تترك هيلان زوجها و تلحق بشخص أجنبي غريب و في النهاية، يخطط ازاد من أجل غسل العار بقتل زوجته ويتفجأ بإعترافها ما تأكد براءتها وإخلاصها له، ولكن الخنجر كان قد انغمس في مقتلها ولم يعد الندم ينفع ويسلم نفسه ويتم زجه في السجن في احدى الولايات الأمريكية وتحت تأثير الصدمة يتعرض للجنون. امّا هرمان و شيرين بعد عودتهما كل تحت ظروف معينة إلى كوردستان ويصادف التقائهما في عملهما بنفس الشركة فتبدأ قصتهما من جديد و يقرران الزواج والعودة الى هولندا وكان لكل منهما غايته أما هرمان فكان يود البحث عن طفله المختطف وأما شرين فتريد الثأر لشرفها والإنتقام من وائل التيجري دون أن يعرف أحدهما بغاية الآخر. وإلى جانب هاتين القصتين تظهر قصص اخرى في الرواية مثل وجود ليلى من شمال كوردستان التي تهيم بهرمان ولكنها لا تهز مشاعره، ولكونها صديقة لشرين فهي تفع بين نارين، وأخيراً تتخلى عن قلبها وتنتصرالوطنية، وتعود لكي تنتقم لشرف شرين بالتضامن معها، أما شهناز الفتاة البرجوازية والتي يتعرف عليها هرمان في هولير وتصارحه بحبها له وتستخدم نفوذها ومالها لكي تستميله ولكنه يلمح بخيوط أمل من شرين فيتركها عندما يشعر بأنها تريد ان تصادر حريته وتسيطر عليه بما لها من مغريات ومال.

قصص الحظ: 
في الرواية يتابع القارئ قصتين احداهما قصة طفل الأنفال (تيمور) الذي تتمحور قصته حول رجال نظام البعث في سنة 1988 عندما جمعوا آلاف الأطفال و الفتيات و الصبيان و النساء و العجائز و اخذوهم بواسطة شاحنات عسكرية الى جنوبي غربي عراق و دفنهم أحياء في مقابر جماعية. و بفعل القدر يستطيع هذا الطفل أن يهرب من القتل الجماعي و يستنجد بعائلة عربية و تقوم هذه الجماعة بمساعدته و إنقاذه من أيديهم و إعادته الى أقربائه المقيمين في السليمانية. و القصة الثانية تدور حول ازاد صديق بطل القصة الذين يلتيا صدفة على سطح سفينة في عرض البحر عندما تغرق إحدى البواخرالمليئة باللاجئين الكورد فيحاول كل من هرمان وصديقه ازاد انقاذ الغرقى والمفاجأة ان هرمان ينقذ إمرأة مشرفة على الغرق فتعرف عن نفسها اذا بها تلك الفتاة آلاء التي أحبها ابان ثورة عام 1974 وكيف افترق كل منهما هي لجأت الى ايران وهو الى العراق ليزج به في السجن عندما شهدت الثورة النكسة عام 1975 أما ازاد الذي حاول انقاذ طفل يأخذه الموج بعيدا فيتعلق ببقايا لوح من حطام السفينة والمفاجئة تقذف به حياً الى احدى الجزر.

+ نشرت فى جريدة صباح كوردستان العدد 11

ليست هناك تعليقات: